فصل: تغلب الغز على خراسان وهزيمة السلطان سنجر وأسره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  فتنة الراشد مع السلطان مسعود

لما بويع الراشد بعث إليه السلطان مسعود برتقش الزكوي يطالبه بما استقر عليه الصلح مع أبيه المسترشد وهو أربعمائة ألف دينار فأنكر الراشد أن يكون له مال وإنما مال الخلافة كان مع المسترشد فنهب‏.‏ثم جمع الراشد العساكر وقدم عليهم كجراية وشرع في عمارة السور‏.‏واتفق برتقش مع بك أبه على هجوم دار الخلافة وركبوا لذلك في العساكر فقاتلهم عساكر الراشد والعامة وأخرجوهم عن البلد إلى طريق خراسان‏.‏وسار بك أبه إلى واسط وبرتقش إلى سرخس‏.‏ولما علم داود بن محمود فتنة عمه مسعود مع الراشد سار من أذربيجان إلى بغداد في صفر سنة ثلاثين ونزل بدار السلطان‏.‏ووصل بعده عماد الدين زنكي من الموصل وصدقة بن دبيس عن الحلة ومعه عش بن أبي العسكر يدبر أمره ويديره وكان أبوه دبيس قد قتل بعد ثم وصل جماعة من أمراء مسعود منهم برتقش بازدار صاحب فروق والبقش الكبير صاحب أصفهان وابن برسق وابن الأحمديلي‏.‏وخرج للقائهم كجراية والطرنطاي وكان إقبال خادم المسترشد قد قدم من تكريت فقبض عليه الراشد وعلى ناصر الدولة أبي عبد الله الحسن بن جهير فاستوحش أهل الدولة وركب الوزير جلال الدين بن صدقة إلى لقاء عماد الدين زنكي فأقام عنده مستحيراً حتى أصلح حاله مع الراشد‏.‏واستجار به قاضي القضاة الزينبي ولم يزل معه إلى الموصل‏.‏وشفع في إقبال فأطلق وسار إليه‏.‏ثم جد الراشد في عمارة السور وسار الملك داود لقتال مسعود استخلفه الراشد واستخلفه عماد الدين زنكي وقطعت خطبة مسعود من بغداد وولى داود شحنة بغداد برتقش بازدار‏.‏ثم وصل الخبر بأن سلجوق شاه أخا الأمير مسعود ملك واسط وقبض على الأمير بك أبه فسار الأمير زنكي لدفاعه فصالحه ورجع وعبر إلى طريق خراسان للحاق داود واحتشد العساكر‏.‏ثم سار السلطان مسعود لقتالهم وفارق زنكي داود ليسير إلى مراغة ويخالف السلطان مسعود إلى همذان‏.‏وبرز الراشد من بغداد أول رمضان وسار إلى طريق خراسان وعاد بعد ثلاث‏.‏وعزم على الحصار ببغداد واستدعى داود الأمراء ليكونوا معه عنده فجاءوا لذلك ووصلت رسل السلطان مسعود بطاعة الراشد والتعريض بالوعيد للأمراء حصار بغداد ومسير الراشد إلى الموصل وخلعه وخلافة المقتفي ثم إن السلطان مسعود أجمع المسير إلى بغداد وانتهى إلى الملكية فسار زين الدين علي من أصحاب زنكي حتى شارف معسكره وقاتلهم ورجع‏.‏ونزل السلطان على بغداد‏.‏والعيارون أفسدوا سائر المحال ببغداد وانطلقت أيديهم وأيدي العساكر في النهب ودام الحصار نيفاً وخمسين يوماً‏.‏تأخر السلطان مسعود إلى النهروان عازماً على العود إلى أصفهان فوصله طرنطاي صاحب واسط في سفن كثيرة فركب إلى غربي بغداد فاضطرب الأمراء وافترقوا وعادوا إلى أذربيجان‏.‏وكان زنكي بالجانب الغربي فعبر إليه الراشد وسار معه إلى الموصل ودخل السلطان مسعود بغداد منتصف ذي القعدة فسكن الناس وجمع القضاة والفقهاء وأوقفهم على يمين الراشد التي كتبها بخطه‏.‏إني متى جمعت أو خرجت أو لقيت أحداً من أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر فأفتوا بخلعه‏.‏واتفق أرباب الدولة ممن كان ببغداد ومن أسر مع المسترشد وبقي من عند السلطان مسعود كلهم على ذمه وعدم أهليته على ما مر في أخباره بين أخبار الخلفاء‏.‏وبويع محمد بن المستظهر ولقب المقتفي وقد قدمت هذه الأخبار بأوسع من ذلك‏.‏ثم بعث السلطان العساكر مع قرا سنقر لطلب داود فأدركته عند مراغة وقاتله فهزمه وملك أذربيجان ومضى داود إلى خوزستان واجتمع عليه عساكر من التركمان وغيرهم فحاصر تستر وكان عمه سلجوق بواسط فسار إليه بعد أن أمره أخوه مسعود بالعساكر ولقي داود على تستر فهزمه داود ثم عزل السلطان وزيره شرف الدين أنو شروان بن خالد واستوزر كمال الدين أبا البركات بن سلامة من أهل خراسان‏.‏ثم بلغه أن الراشد قد فارق الموصل فأذن للعساكر التي عنده ببغداد في العودة إلى بلادهم وصرف فيهم صدقة بن دبيس صاحب الحلة بعد أن أصهر إليه في ابنته وقدم عليه جماعة من الأمراء الذين كانوا مع داود منهم البقش السلامي وبرسق بن برسق وصاحب تستر وسنقر الخمار تكين شحنة همذان فرضي عنهم وأمنهم وعاد إلى همذان سنة إحدى وثلاثين‏.‏الفتنة بين السلطان مسعود وبين داود الراشد وهزيمة مسعود ومقتل الراشد كان الأمير بوزابة صاحب خوزستان والأمير عبد الرحمن طغرلبك صاحب خلخال والملك داود ابن السلطان محمود خائفين من السلطان فاجتمعوا عند الأمير منكبرس صاحب فارس‏.‏وبلغهم مسير الراشد من الموصل إلى مراغة فراسلوه في أن يجتمعوا عليه ويردوه إلى خلافته فأجابهم‏.‏وبلغ الخبر إلى السلطان مسعود فسار إليهم في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وأوقع بهم ، ^? وأخذ منكبرس أسيراً فقتله وافترقت عساكره للنهب فانفرد بوزابة وطغرلبك وصدقا الحملة عليه فانهزم‏.‏وقبض على جماعة من الأمراء مثل صدقة بن دبيس صاحب الحلة وكافله نمبترين أبي العساكر وابن أتابك قرا سنقر صاحب أذربيجان‏.‏وحبسهم بوزابة حتى تحقق قتل منكبرس‏.‏ولحق السلطان مسعود بأذربيجان منهزماً وسار داود إلى همذان فملكها ووصل إليه الراشد هنالك‏.‏وأشار بوزابة وكان كبير القوم بالمسير إلى فارس فساروا معه واستولى عليها وملكها ولما علم سلجوق شاه وهو بواسط أن أخاه السلطان مسعود أمضى إلى أذربيجان سار هو إلى بغداد ليملكها ودافعه البقش النحت ونظم الخادم أمير الحاج‏.‏وثار العيارون بالبلدان وأفحشوا في النهب فلما رجع الشحنة استأصل شافتهم وأخذ المستورين بجنايتهم فجلا الناس عن بغداد إلى الموصل وغيرها‏.‏ولما قتل صدقة بن دبيس أقر السلطان مسعود أخاه محمداً على الحلة ومعه مهلهل بن أبي العساكر أخو عش المقتول كما مر في أخباره‏.‏ثم لما ملك بوزابة فارس رجع مع الراشد والملك داود ومعهما خوارزم شاه إلى خوزستان وخربوا الجزيرة فسار إليهم مسعود ليمنعهم عن العراق فعاد الملك داود إلى فارس وخوارزم شاه إلى بلده وسار الراشد إلى أصفهان فثار به نفر من الخراسانية كانوا في خدمته فقتلوه عند القائلة في خامس عشر رمضان من السنة ودفن بظاهر أصفهان‏.‏ثم قبض السلطان آخر السنة على وزيره أبي البركات بن سلامة الدركريني واستوزر بعده كمال الدين محمد بن الخازن وكان نبيها حسن السيرة فرفع المظالم وأزال المكوس وأقام وظائف السلطان وجمع له الأموال وضرب على أيدي العمال وكشف خيانتهم فثقل عليهم وأوقعوا بينه وبين الأمراء فبالغوا في السعاية فيه عند السلطان‏.‏وتولى كبرها قرا سنقر صاحب أذربيجان فإنه بعث إلى السلطان يتهدده بالخروج عن طاعته فأشار على السلطان خواصه بقتله خشية الفتنة فقتله على كره وبعث برأسه إلى قرا ستقر فرضي‏.‏وكان قتله سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة لسبعة أشهر من وزارته واستوزر بعده أبا العز طاهر بن محمد اليزدجردي وزير قرا سنقر ولقب عز الملك وضاقت الأمور على السلطان وأقطع البلاد للأمراء‏.‏ثم قتل السلطان البقش السلاحي الشحنة بما ظهر منه من الظلم والعسف فقبض عليه وحبسه بتكريت عند مجاهد الدين بهروز‏.‏ثم أمر بقتله فلما قرب للقتل ألقى نفسه في دجلة فمات وبعث برأسه إلى السلطان فقدم مجاهد الدين بهروز شحنة بغداد فحسن أثره‏.‏ثم عزله السلطان سنة ست وثلاثين وولى فيها قرلي أميراً آخراً من موالي السلطان محمود وكانت له يزدجرد والبصرة فأضيف له إليهما والله سبحانه وتع إلى أعلم بغيبه ، ^? وهو أوله بداية بني خوارزم قد تقدم لنا ذكر أولية محمد خوارزم شاه وهو محمد بن أبي شنتكين وأن خوارزم شاه لقب له وأن الأمير داود حبشي لما ولاه بركيارق خراسان وقتله إكنجي ولي محمد بن أبي شنتكين وولي بعده ابنه أتسز فظهرت كفاءته وقربه السلطان سنجر واستخلصه واستظهر به في حروبه فزاده ذلك تقدماً ورفعة واستفحل ملكه في خوارزم‏.‏ونمي للسلطان سنجر أنه يريد الاستبداد فسار إليه سنة ثلاث وثلاثين وبرؤ أتسز ولقيه في التعبئة فلم يثبت وانهزم وقتل من عسكره خلق وقتل له بن فحزن عليه حزناً شديداً‏.‏وملك سنجر خوارزم وأقطعها غياث الدين سليمان شاه ابن أخيه محمد ورتب له وزيراً وأتابك وحاجباً وعاد إلى مرو منتصف السنة فخالفه أتسز إلى خوارزم وهرب سليمان شاه ومن معه إلى سنجر واستولى أتسز على خوارزم وكان من أمره ما يذكر بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

  استيلاء قرا سنقر صاحب أذربيجان على بلاد فارس

ثم جمع أتابك قرا سنقر صاحب أذربيجان وبرز طالباً ثأر أبيه الذي قتله بوزابة في المصاف كما مر‏.‏وأرسل السلطان مسعود في قتل وزيره الكمال فقتله كما مر فانصرف عنه إلى بلاد فارس وتحصن عنه بوزابة في القلعة البيضاء ووطئ قرا سنقر البلاد وملكها ولم يمكنه مقام فسلمه لسلجوق شاه ابن السلطان محمود وهو أخو السلطان مسعود وعاد إلى أذربيجان فنزل بوزابة من القلعة سنة أربع وثلاثين وهزم سلجوق شاه وأسره وحبسه ببعض قلاعه واستولى على البلاد‏.‏ثم هلك قرا سنقر صاحب أذربيجان وأران بمدينة أردبيل وكان من مماليك طغرل وولي مكانه جاولي الطغرلي والله سبحانه ولي التوفيق‏.‏

  مسير جهان دانكي إلى فارس

ثم أمر السلطان سنة خمس وثلاثين الأمير إسماعيل جهان دانكي فسار إليها ومنعها مجاهد الدين بهروز من الوصول واستعد لذلك بخسف المعابر وتغريقها فقصد الحلة فمنعها أيضاً فقصد واسط فقاتله طرنطاي وانهزم ودخل واسط ونهبها ونهب النعمانية وما إليها وأتبعهم طرنطاي إلى البطيحة ثم فارقه عسكره إلى طرنطاي فلحق بتستر وكتب إسماعيل إلى السلطان فعفا عنه‏.‏

  هزيمة السلطان سنجر أمام الخطا واستيلاؤهم على ما وراء النهر

وتلخيص هذا الخبر من كتاب ابن الأثير أن أتسز بن محمد ملك خوارزم واستقر بها فبعث إلى الخطا وهم أعظم الترك فيما وراء النهر وأغراهم بمملكة السلطان سنجر واستحثهم لها فساروا في ثلاثمائة ألف فارس‏.‏وسار سنجر في جميع عساكره وعبر إليهم النهر ولقيهم سنة ست وثلاثين واقتتلوا أشد قتال‏.‏ثم انهزم سنجر وعساكره وقتل منهم مائة ألف فيهم أربعة آلاف امرأة وأسرت زوجة السلطان سنجر ولحق سنجر بترمذ وسار منها إلى بلخ‏.‏وقصد أتسز مدينة مرو فدخلها مراغماً للسلطان وفتك فيها وقبض على جماعة من الفقهاء والأعيان‏.‏وبعث السلطان سنجر إلى السلطان مسعود يأذن له في النصر وفي الري ليدعوه أن احتاج إليه فجاء عباس صاحب الري بذلك إلى بغداد‏.‏وسار السلطان مسعود إلى الري امتثالا لأمر عمه سنجر‏.‏قال ابن الأثير وقيل إن بلاد تركستان وهي كاشغر وبلاد سامسون وجبى وطراز وغيرها مما وراء النهر كانت بيد الخانية وهم مسلمون من نسل مراسيان ملك الترك المعروف خبره مع ملوك الكينية وأسلم جدهم الأول سبق قراخان لأنه رأى في منامه أن رجلا نزل من السماء وقال له بالتركية ما معناه أسلم تسلم في الدنيا والآخرة وأسلم في منامه ثم أسلم في يقظته‏.‏ولما مات ملك مكانه موسى بن سبق ولم يزل الملك في عقبه إلى أرسلان خان بن سليمان بن داود بن بقرخان بن إبراهيم طغاج خان بن أيلك نصر بن أرسلان بن علي بن موسى بن سبق فخرج عليه قردخان وانتزع الملك منه‏.‏ثم نصر سنجر وقتل قردخان وخرج بعد ذلك خوارزم ونصره السلطان سنجر منهم وأعاده إلى ملكه وكان في جنده نوع من الأتراك يقال لهم القارغلية والأتراك الغزية الذين نهبوا خراسان على ما نذكره بعد‏.‏وهم صنفان صنف يقال لهم جق وأميرهم طوطي بن داديك وصنف يقال لهم برق وأميرهم برغوث بن عبد الحميد‏.‏وكان لأرسلان نصر خان شريف يصحبه من أهل سمرقند وهو الأشرف بن محمد بن أبي شجاع العلوي فحمل ابن أرسلان نصرخان وطلبوا انتزاع الملك منه فاستصرح السلطان سنجر فعبر إليه في عساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة وانتهى إلى سمرقند فهرب القارغلية أمامه وعاد إلى سمرقند فقبض على أرسلان خان وحبسه ببلخ فمات بها وولى على سمرقند مكانه قلج طمقاج أبا المعالي الحسن بن علي بن عبد المؤمن ويعرف بحسن تكر من أعيان بيت الخانية‏.‏إلا أن أرسلان خان أطرحه فولاه سنجر ولم تطل أيامه فولى بعده ابن أرسلان خان وأبوه هو الذي ملك سمرقند من يده وهو ابن أخت سنجر‏.‏وكان في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة قد خرج كوهرخان من الصين إلى حدود كاشغر في جموع عظيمة وكوهر الأعظم بلسانهم وخان السلطان فمعناه أعظم ملك‏.‏ولقيه صاحب كاشغر أحمد بن الحسن الخان فهزمه وقد كان خرج قبله من الصين أتراك الخطا وكانوا في خدمة الخانية أصحاب تركسان‏.‏وكان أرسلان خان محمد بن سليمان ينزلهم على الدروب بينه وبين الصين مسالح ولهم على ذلك جرايات وإقطاعات‏.‏وسخط عليهم بعض السنين وعاقبهم بما عظم عليهم فطلبوا فسيحاً من البلاد يأمون فيه من أرسلان خان لكثرة ما كان يغزوهم ووصفت لهم بلاد سامسون فساروا إليها‏.‏ولما خرج كونان من الصين ساروا إليه واجتمعوا عليه‏.‏ثم ساروا جميعاً إلى بلاد ما وراء النهر ولقيهما الخان محمود بن أرسلان خان محمد في حدود بلاده في رمضان سنة إحدى وثلاثين فهزموه وعاد إلى سمرقند وعظم الخطب على أهلها وأهل بخارى‏.‏واستمد محمود السلطان سنجر وذكر ما لقي السلطان من العنت واجتمع عنده ملوك خراسان‏.‏وملك سجستان من بني خلف وملك غزنة من الغوريين وملك مازندران وعبر النهر للقاء الترك في أكثر من ألف وذلك لآخر خمس وثلاثين وخمسمائة‏.‏وشكا إليه محمود خان من القارغلية فقصدهم واستجاروا بكوخان ملك الصين فكتب إلى سنجر بالشفاعة فيهم فلم يشفعه وكتب إليه يدعوه للإسلام ويتهدده بكثرة العساكر فأهان الرسول وزحف للقاء سنجر‏.‏والتقى الجمعان بموضع يسمى قطران خامس صفر سنة ست وثلاثين وأبلى القارغلية من الترك وصاحب سجستان من المسلمين‏.‏ثم انهزم المسلمون فقتل كثير منهم وأسر صاحب سجستان والأمير قماج وزوجة السلطان سنجر فأطلقهم كوخان ومضى السلطان سنجر منهزماً‏.‏وملك الترك الكفار والخطا بلاد ما وراء النهر إلى أن مات كوخان ملكهم سنة سبع وثلاثين ووليت بعده ابنته‏.‏ثم ماتت قريباً وملكت أمها من بعدها وهي زوجة كوخان وابنة محمد‏.‏وصار ما وراء النهر بيد الخطا إلى أن غلبهم عليه عماد الدين محمد خوارزم شاه سنة اثنتي عشرة وستمائة‏.‏

  أخبار خوارزم شاه بخراسان وصلحه مع سنجر

ولما عاد السلطان منهزماً سار خوارزم شاه إلى سرخس في ربيع سنة ست وثلاثين فأطاعته ثم إلى مرو الشاهجان فشفع فيهم الإمام أحمد الباخرزي ونزل بظاهرها‏.‏وبينما هو قد استدعى أبا الفضل الكرماني وأعيان أهلها للشورى ثار عامة البلد وقتلوا من كان عندهم من جنده وامتنعوا فطاولها ودخلها عنوة وقتل كثيراً من علمائها‏.‏ثم رجع في شوال من السنة إلى نيسابور وخرج إليه علماؤها وزهادها يسألون معافاتها مما نزل بأهل مرو فأعفاهم واستصفى أصحاب السلطان وقطع خطبة سنجر‏.‏وبعث عسكراً إلى أعمال صغد فقاتلوهم أياماً ولم يطق سنجر مقاومته لمكان الخطا وجوارهم له‏.‏ثم سار السلطان سنجر سنة ثمان وثلاثين لقتال خوارزم وحاصرها أياماً وكاد يملكها واقتحمها بعض أمرائه يوماً فدافعه أتسز بعد حروب شديدة‏.‏ثم أرسل أتسز إلى سنجر بالطاعة والعود إلى ما كان عليه فقبله وعاد سنة ثمان وثلاثين ، ^? ثم وصل السلطان مسعود سنة ثمان وثلاثين إلى بغداد ‏"‏ ‏"‏ عادته فتجهز لقصد الموصل وكان يحمل لزنكي جميع ما وقع من الفتن فبعث إليه زنكي يستعطفه مع أبي عبد الله بن الأنباري وحمل معه عشرين ألف دينار وضمن مائة ألف على أن يرجع عنه فرجع وانعقد الصلح بينهما‏.‏وكان مما رغب السلطان في صلحه أن ابنه غازي بن زنكي هرب من عند السلطان خوفاً من أبيه فرده إلى السلطان ولم يجتمع به فوقع ذلك من السلطان أحسن موقع والله تع إلى أعلم‏.‏

  انتقاض صاحب فارس وصاحب الري

كان بوزابة صاحب فارس وخوزستان كما قدمنا فاستوحش من السلطان مسعود فانتقض سنة أربعين وخمسمائة وبايع لمحمد بن محمود وهو ابن أخي السلطان مسعود وسار إلى مامشون واجتمع بالأمير عباس صاحب الري ووافقه على شأنه‏.‏واتصل به سليمان شاه أخو السلطان مسعود وتغلبوا على كثير من بلاط فسار إليهم من بغداد في رمضان السنة ومعه الأمير طغابرك حاجبه وكان له التحكم في الدولة والميل إلى القوم‏.‏واستخلفه وسار فلما تقاربوا للحرب نزع السلطان شاه عنهم إلى أخيه مسعود وسعى عبد الرحمن في الصلح فانعقد بينهما على ما أحبه القوم وأضيف إلى عبد الرحمن ولاية أذربيجان وأران إلى خلخال عوضاً من جاولي الطغرلي واستوزر أبا الفتح بن دراست وزير بوزابة‏.‏وقد كان السلطان سنة تسع وثلاثين قبض على وزيره اليزدجردي واستوزر مكانه المرزبان بن عبد الله بن نصر الأصفهاني وسلم إليه اليزدجردي واستصفى أمواله‏.‏فلما كان هذه السنة وفعل بوزابة في صلح القوم ما فعل اعتضد بهم على مقامه عند السلطان وتحكم عليه وعزل وزيره واستوزر له أبا الفتح هذا‏.‏

  مقتل طغابرك وعباس

قد قدمنا أن طغابرك وعبد الرحمن تحكما على السلطان واستبدا عليه ثم آل أمره إلى أن منعا بك أرسلان الصروف بابن خاص بك بن بنكري من مباشرة السلطان وكان تربته وخاصاً به ونجي خلوته‏.‏وتجهز طغابرك لبعض الوجوه فحمله في جملته فأسر السلطان إلى أرسلان الفتك بطغابرك وداخل رجال العسكر في ذلك فأجاب منهم زنكي جاندار أن يباشر قتله بيده ووافق بك أرسلان جماعة من الأمراء واعترضوا له في موكبه فضربه الجاندار فصرعه عن فرسه وأجهز عليه ابن خاص بك ووقف الأمراء الذين واطؤه على ذلك دون الجاندار فمنعوه وكان ذلك بظاهر صهوة‏.‏وبلغ الخبر إلى السلطان مسعود ببغداد ومعه عباس صاحب الري في جيش كثيف فامتعض لذلك ونكره فداراه السلطان حتى سكن‏.‏وداخل بعض الأمراء في قتله فأجابوه وتولى كبر ذلك البقش حروسوس اللحف وأحضر السلطان عباساً وأدخله في داره وهذان الأميران عنده وقد أكمنوا له في بعض المخادع رجالا وعدلوا به إلى مكانهم فقتلوه ونهبت خيامه وأصاخت البلاد لذلك ثم سكنت‏.‏وكان عباس من موالي السلطان محمود وكان عادلا حسن السيرة وله مقامات حسان في جهاد الباطنية‏.‏وقتل في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ثم حبس السلطان أخاه سليمان شاه في قلعة تكريت وسار عن بغداد إلى أصفهان والله سبحانه وتع إلى ولي التوفيق‏.‏

  مقتل بوزابة صاحب فارس

قد تقدم لنا أن طغابرك كان مستظهراً على السلطان بعباس صاحب الري وبوزابة صاحب فارس وخوزستان فلما قتل طغابرك وامتعض له عباس قتل أثره وانتهى الخبر إلى بوزابة فجمع العساكر وسار إلى أصفهان سنة اثنتين وأربعين فحاصرها وبعث عسكراً آخراً لحصار همذان وآخراً إلى قلعة الماهكي من بلاد اللحف من قلالح البقش كون خر فسار إليها ودفعهم عنها‏.‏ثم سار بوزابة عن أصفهان لطلب السلطان مسعود فامتنع وتزاحفا بمرج مزاتكن واشتد القتال بينهما وكبا الفرس ببوزابة وسيق إلى السلطان فقتل بين يديه وقيل أصابه سهم فسقط ميتاً وانهزمت عساكره وكان هذا انتقاض الأمراء على السلطان ولما قتل طغابرك وعباس وبوزابة اختص بالسلطان ابن خاص بك لميله إليه وأطرح بقية الأمراء فاستوحشوا وارتابوا بأنفسهم أن يقع بهم ما وقع بالآخرين ففارقوه وساروا نحو العراق أبو ركن المسعودي صاحب كنجة وأران والبقش كون خر صاحب الجبل والحاجب خريطاي المحمودي شحنة واسط وابن طغابرك والركن وقرقوب ومعهم ابن أخي السلطان وهو محمد بن محمود وانتهوا إلى حران فاضطرب الناس ببغداد وغلت الأسعار‏.‏وبعث إليهم المقتفي بالرجوع فلم يرجعوا ووصلوا إلى بغداد في ربيع الآخر من سنة ثلاث وأربعين ونزلوا بالجانب الشرقي وهرب أجناد مسعود شحنة بغداد إلى تكريت ووصل إليهم علي بن دبيس صاحب الحلة ونزل بالجانب الغربي وجمع الخليفة العساكر‏.‏ثم قاتل العامة عساكر الأمراء فاستطردوا لهم ثم كروا عليهم فملؤوا الأرض بالقتلى‏.‏ثم جاست خيولهم خلال الديار فنهبوا وسبوا‏.‏ثم جاءوا مقابل التاج يعتذرون ورددوا الرسل إلى الخليفة سائر يومهم‏.‏ثم ارتحلوا من الغد إلى النهروان فعاثوا فيها‏.‏وعاد مسعود من بلاد تكريت إلى بغداد‏.‏ثم افترق الأمراء وفارقوا العراق ثم عاد البقش كون خر والطرنطاي وابن دبيس سنة أربع وأربعين ومعهم ملك شاه بن محمود وهو ابن أخي السلطان وطلبوا من الخليفة الخطبة لملك شاه فأبى وجمع العساكر وشغل بما كان فيه من أمر عم السلطان سنجر‏.‏وذلك أن السلطان سنجر بعث إليه يلومه في تقديم ابن خاص بك ويأمره بإبعاده وتهدده فغالطه ولم يفعل فسار إلى الري فبادر إليه مسعود وترضاه فرضي عنه‏.‏ولما علم البقش كون خر مراسلة المقتفي مسعود نهب النهروان وقبض على علي بن دبيس‏.‏وسار السلطان بعد لقاء عمه إلى بغداد فوصلها منتصف شوال سنة أربع وأربعين فهرب الطرنطاي إلى النعمانية ورحل البقش إلى النهروان بعد أن أطلق علي بن دبيس فجاء إلى السلطان واعتذر فرضي عنه‏.‏

  وفاة السلطان مسعود وولاية ملك شاه ابن أخيه محمود

ثم أخيه محمد من بعده ثم توفي السلطان مسعود بهمذان في رجب منتصف سبع وأربعين لاثنتين وعشرين سنة من طلبه الملك وبه كمل استفحال ملك السلجوقية وركب الخمول دولتهم بعده وكان عهد إلى ملك شاه ابن أخيه محمود فلما توفي بايع له الأمير ابن خاص بك وأطاعه العسكر وانتهى خبر موته إلى بغداد فهرب الشحنة بلاك إلى تكريت وأمر المقتفي بالحوطة على داره ودور أصحاب السلطان مسعود‏.‏ثم بعث السلطان ملك شاه عسكراً إلى الحلة مع ملاذ كرد من أمرائه فملكها وسار إليه بلاك الشحنة فخادعه حتى استمكن منه فقبض عليه وغرقه واستبد بلاك الشحنة بالحلة‏.‏وجهز المقتفي العساكر مع الوزير عون الدين بن هبيرة إلى الحلة‏.‏وبعث عساكر إلى الكوفة وواسط فملكهما ووصلت عساكر السلطان ملك شاه فملكوها وسار إليهم الخليفة بنفسه فارتجعها منهم وسار منها إلى الحلة ثم إلى بغداد آخر ذي القعدة من السنة‏.‏ثم إن ابن خاص بك طمع في الانفراد بالأمر فاستدعى محمد بن محمود من خوزستان فأطمعه في الملك ليقبض عليه وعلى أخيه ملك شاه فقبض على ملك شاه أولا لستة أشهر من ولايته ووصل محمد في صفر من سنة ثمان وأربعين فأجلسه على التخت وخطب له بالسلطنة وحمل إليه الهدايا وقد سعى للسلطان محمد بما انطوى عليه ابن خاص بك‏.‏فلما باكره صبيحة وصوله فتك به وقتله وقتل معه زنكي الجاندار قاتل طغابرك وأخذ من أموال ابن خاص بك كثيراً وكان صبياً كما بينا اتصل بالسلطان مسعود وتنصح له فقدمه على سائر العساكر والأمراء‏.‏وكان أنوغري التركي المعروف بشملة في جملة ابن خاص بك ومن أصحابه ونهاه عن الدخول إلى السلطان محمد فلما قتل ابن خاص بك نجا شملة إلى خوزستان وكان له بها بعد ذلك ملك والله أعلم بغيبه وأحكم‏.‏

  تغلب الغز على خراسان وهزيمة السلطان سنجر وأسره

كان هؤلاء الغر فيما وراء النهر وهم شعب من شعوب الترك ومنهم كان السلجوقية أصحاب هذه الدولة وبقوا هنالك بعد عبورهم وكانوا مسلمين فلما استولى الخطا على ملك الصين وعلى ما وراء النهر هاجر هؤلاء الغز إلى خراسان وأقاموا بنواحي بلخ‏.‏وكان لهم من الأمراء محمود ودينار وبختيار وطوطي وأرسلان ومعز‏.‏وكان صاحب بلخ الأمير قماج فتقدم إليهم أن يبعدوا عن بلخ فصانعوه فتركهم وكانوا يعطون الزكاة ويؤمنون السابلة‏.‏ثم عاد إليهم في الانتقال فامتنعوا وجمعوا فخرج إليهم في العساكر وبذلوا له مالا فلم يقبل وقاتلوه فهزموه وقتلوا العسكر والرعايا والفقهاء وسبوا العيال ونجا قماج إلى مرو وبها السلطان سنجر فبعث إليهم يتهددهم ويأمرهم بمفارقة بلاده فلاطفوه وبذلوا له فلم يقبل‏.‏وسار إليهم في مائة ألف فهزموه وأثخنوا في عسكره وقتل علاء الدين قماج وأسروا السلطان سنجر ومعه جماعة من الأمراء فقتلوا الأمراء واستبقوا السلطان سنجر وبايعوه ودخلوا معه إلى مرو فطلب منه بختيار إقطاعها فقال هي كرسي خراسان فسخروا منه‏.‏ثم دخل سنجر خانقاه فقسط على الناس وأطرهم وعسفهم وعلى في الأسواق ثلاث غرائر وطالبهم بملئها ذهباً فقتله العامة ودخل الغز نيسابور ودمروها تدميراً وقتلوا الكبار والصغار وأحرقوها وقتلوا القضاة والعلماء في كل بلد‏.‏ولم يسلم من خراسان غير هراة وسبستان لحصانتهما‏.‏وقال ابن الأثير عن بعض مؤرخي العجم إن هؤلاء الغز انتقلوا من نواحي التغرغر من أقاصي الترك إلى ما وراء النهر أيام المقتفي وأسلموا واستظهر بهم المقنع الكندي على مخارقه وشعوذته حتى تم أمره فلما سارت إليه العساكر خذلوه وأسلموه وفعلوا مثل ذلك مع الملوك الخانية‏.‏ثم طردهم الأتراك القارغلية عن إقطاعهم فاستدعاهم الأمير زنكي بن خليفة الشيباني المستولي على حدود طخارستان وأنزلهم بلاده واستظهر بهم على قماج صاحب بلخ وسار بهم لمحاربته فخذلوه لأن قماج كان استمالهم فانهزم زنكي وأسر هو وابنه وقتلهما قماج وأقطع الغز في بلاده‏.‏فلما سار الحسين بن الحسين الغوري إلى بلخ برز إليه قماج ومعه هؤلاء الغز فخذلوه ونزعوا عنه إلى الغوري حتى ملك بلخ فسار السلطان سنجر إلى بلخ وهزم الغوري واستردها وبقي الغز بنواحي طخارستان‏.‏وفي نفس قماج حقد عليهم فأمرهم بالانتقال عن بلاده فتألفوا وتجمعوا في طوائف من الترك وقدموا عليهم أرسلان بوقاء التركي ولقيهم قماج فهزموه وأسروه وابنه أبا بكر وقتلوهما واستولوا على نواحي بلخ وعادوا فيها‏.‏وجمع السلطان سنجر وفي مقدمته محمد بن أبي بكر بن قماج المقتول والمؤيد ابنه في محرم سنة ثمان وأربعين‏.‏وجاء السلطان سنجر على أثره وبعثوا إليه بالطاعة والأموال فلم يقبل منهم وقاتلهم فهزموه إلى بلخ‏.‏ثم عاود قتالهم فهزموه إلى مرو وأتبعوه فهرب هو وعسكره من مرو رعباً منهم ودخلوا البلد وفحشوا فيه قتلا ونهباً وقتلوا القضلا والأئمة والعلماء‏.‏ولما خرج سنجر من مرو وأسروه أجلسوه على التخت على عادته وآتوه طاعتهم‏.‏ثم عاودوا الغارة على مرو فمنعهم أهلها وقاتلوهم ثم عجزو واستسلموا فاستباحوا أعظم من الأولى‏.‏ولما أسر سنجر فارقه جميع أمراء خراسان ووزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك ووصلوا إلى نيسابور واستدعوا سليمان شاه بن السلطان محمود وخطبوا له بالسلطان في منتصف السنة وأجتمعت عليه عساكر خراسان وساروا لطلب الغز فبارزوهم على مرو وانهزمت العساكر رعباً منهم وقصدوا نيسابور والغز في أتباعهم ومروا بطوس فاستباحوها وقتلوا حتى العلماء والزهاد وخربوا حتى المساجد‏.‏ثم ساروا إلى نيسابور في شوال سنة تسع وأربعين ففعلوا فيها أفحش من طوس حتى ملأوا البلاد من القتلى وتحصن طائفة بالجامع الأعظم من العلماء والصالحين فقتلوهم عن آخرهم وأحرقوا خزائن الكتب‏.‏وفعلوا مثل ذلك في جوين واسفراين فحاصروهما واقتحموهما مثل ما فعلوا في البلاد الأخرى‏.‏وكانت أفعال الغز في هذه البلاد أعظم وأقبح من أفعال الغز في غيرها‏.‏ثم إن السلطان سليمان شاه توفي وزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك في شوال سنة ثمان وأربعين فاستوزر ابنه نظام الملك وانحل أمره وعجز عن القيام بالملك فعاد إلى جرجان في صفر سنة تسع وأربعين فاجتمع الأمراء وخطبوا للخان محمود بن محمد بن بقراخان وهو ابن أخت سنجر واستدعوه فملكوه في شوال من السنة وساروا معه لقتال الغز وهم محاصرون هراة فكانت حروبه معهم سجالاً وأكثر الظفر للغز‏.‏ثم رحلوا عن هراة إلى مرو منتصف خمسين وأعادوا مصادرة أهلها‏.‏وسار الخان محمد إلى نيسابور وقد غلب عليها المؤيد كما يذكر فراسل الغز في الصلح فصالحوه في رجب‏.‏